الحمد لله والصلاة واسلام على رسول الله أما بعد:
من تتبع حاله صلى الله عليه وسلم مع زوجاته في رمضان علم مدى التوازن الضخم الذي كان محققاً له صلى الله عليه وسلم في حياته، إذ كان صلى الله عليه وسلم كما وصف نفسه: “إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا” “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”. وتبرز أحواله مع أهله مما يلي:
تعليمهن رضي الله عنهنَّ:
وهذا يبيِّن لمن تأمل الأحاديث الواردة في حاله صلى الله عليه وسلم في رمضان، إذ يجد أن كثيراً منها من روايتهنَّ، سواء شاركهنَّ أحد الصحابة رضي الله عنهم فيتلقيها عنه صلى الله عليه وسلم أم لم يشاركهن أحد، وكل ذلك تعليم وإرشاد، ومن ذلك:
حديث عائشة رضي الله عنها حين قالت: يار سول الله أرأيت إن علمت أيَّ ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟، قال: “قولي: اللهم إنك عفوٌ كريم تحب العفو فاعف عني”.
وحديثها رضي الله عنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال، وكان بلا يؤذن حين يرى الفجر”، وهذا الحديث يوهم معارضة ذلك، “وليس كذلك، لأن المصطفى لله جعل الليل بين بلال وبين ابن أم مكتوم نوباً، فكان بلال يؤذن بالليل ليالي معلومة، لينبه النائم، ويرجع القائم، لا لصلاة الفجر، ويؤذن ابن أم مكتوم في تلك الليالي بعد انفجار الصبح لصلاة الغداة، من غير أن يكون بين الخبرين تضاد أو تهاتر “.
وحديثها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه”.
وحديث حفصة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له”
بل إن إخبارهن رضي الله عنهنَّ بجانب من عشرتهنَّ وما علمنه من حاله صلى الله عليه وسلم كان طريق الأمة لمعرفة كثير من هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان وذلك لا يخفى.
حثّه صلى الله عليه وسلم لهنَّ – رضي الله عنهنّ- على فعل الخير وإتيان العمل الصالح:
ومن ذلك ما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه قال: “…ثم كانت الرابعة فلم يقم بنا، فلما بقي ثلاث من الشهر أرسل إلى بناته ونسائه وحشد الناس، فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا”.
ومن هذه الآثار تدرك حكمة من حكم تعدد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وكثرتهن- مع انشغاله بأمر الأمة- فقد كان ذلك جزءاً أساساً من عملية إرشاد الأمة وتعليمها الإسلام كافة بكل جوانبه الشمولية، ولم يكن جزء من ذلك ليتحقق لولا عنايته عليه الصلاة والسلام بتعليمهن: إرشاداً وتوجيهاً وإجابة وبياناً وترغيباً وترهيباً. وهذا فوق أنه منطلق دعوي مهم، فهو رعاية للمسؤولية الأولى، وحفظ لكيان البيت والأسرة من الجهل والكسل.
فحيَّ على أسركم يا أتباع محمد صلى الله عليه وسلم (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة)
حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لهنَّ
ومن الأمور الدالة على ذلك:
1. مواقعته صلى الله عليه وسلم لهن رضي الله عنهن في غير العشر الأواخر، يشهد لذلك حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدركه الفجر في رمضان وهو جُنُب من غير حلم فيغتسل ويصوم”. وقالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد مئزرة وأحيا ليله وأيقظ أهله”، قال ابن حجر “قولها شدَّ مئزره: أي اعتزل النساء”.
وقد جاء ذلك مصرحاً به عند البيهقي من حديث علي رضي الله عنه قال :”كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان العشر الأواخر من رمضان شمر واعتزل النساء”.
2. تقبيله صلى الله عليه وسلم لزوجاته ومباشرته لهن رضي الله عنهن وهو صائم، يدل للتقبيل حديث عائشة رضي الله عنها: قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبِّل في شهر الصوم”. ويدل للمباشرة حديث عائشة رضي الله عنها حين سألها الأسود ومسروق: أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يباشر وهو صائم ؟ قالت: نعم، ولكنه كان أملككم لإربه”.
3. مراعاته صلى الله عليه وسلم لهنّ وحرصه على الاستقرار الأسري؛ إذ ترك الاعتكاف في سنة – كما تقدم- خشية على نسائه من أن يقع بينهنَّ أو في نفوسهنَّ شيء.
4. زيارة نسائه صلى الله عليه وسلم له في معتكفه وتبادله الحديث معهنَّ ساعة، وخوفه صلى الله عليه وسلم عليهنَّ وحمايته لهنَّ رضي الله عنهنّ، يدل لذلك حديث صفية رضي الله عنها “كان النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد وعنده أزواجه فرحن، فقال لصفية بنت حيي لا تعجلي حتى أنصرف معك، وكان بيتها في دار أسامة، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم معها”.
وفي أخرى “إن صفية رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو معتكف، فلما رجعت مشى معها”.
5. اعتناؤه صلى الله عليه وسلم بمظهره وتنظيفه لجسده.
فأين هذا ممن حظ أهله من أخلاقه أسوؤها، ومن أوقاته آخرها، ومن تفكيره فضلته، ومن اهتمامه ثمالته..حتى ما عادوا يطمعون في برّه، ولا يأملون في خيره، ثم هو يرجو منهم براً وإحساناً! إنك لا تجني من الشوك العنب!.
خدمة نسائه صلى الله عليه وسلم له:
أولى الناس بخاصة الرجل أهله، وغيكاله شأنه الخاص إليهن يورث قرباً ومودة، ويزيد اللُّحمة. وذلك ظاهر حال النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، ومن دلائل ذلك:
1. تغسيل زوجه صلى الله عليه وسلم لرأسه وترجيلها لشعره وهو معتكف – كما عرف-.
2. ضرب زوجه الخباء له صلى الله عليه وسلم في المسجد ليعتكف فيه، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فكنت أضرب له خباء فيصلي الصبح ثم يدخله”
3. ضرب زوجه الحصير له صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه وطيها له، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت: “…أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من ذلك أن أنصب له حصيراً على باب حجرتي، إلى أن قال “اطو عنّا حصيرك يا عائشة…”.
4. إيقاظ أهله صلى الله عليه وسلم له، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أُريت ليلة القدر، ثم أيقظني بعض أهلي فنسيتها، فالتمسوها في العش رالغوابر”
5. إذنه لزوجاته رضي الله عنهن بالاعتكاف معه، يدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: ” أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذن لها وسألت حفصة عائشة أن تستأذن لها ففعلت…”.
قيامهن رضي الله عنهن ببعض العبادات معه صلى الله عليه وسلم:
ومن ذلك :
1. الاعتكاف، والظاهر أن غالب زوجاته رضي الله عنهنَّ لم يكن يعتكفن معه صلى الله عليه وسلم في حياته، أما بعد وفاته صلى الله عليه وسلم فالظاهر اعتكافهن رضي الله عنهن بعده، ويدل لذلك حديث عائشة رضي الله عنها: “أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله، ثم اعتكف أزواجه من بعده” والله أعلم.
2. قيام الليل في بعض ليالي رمضان جماعة في المسجد، يدل لذلك حديث أبي ذر رضي الله عنه ، وفيه: “ثم لم يصل بنا حتى بقي ثلاث من الشهر وصلى بنا في ا لثالثة ودعا أهله ونساءه فقام بنا حتى تخوفنا الفلاح، قلت له: وما الفلاح؟ قال: السحور”.
زواجه صلى الله عليه وسلم ببعض نسائه في رمضان:
قال الطبري: “وفي هذه السنة – أي الرابعة- تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة “أم المساكين” من بني هلال في شهر رمضان، ودخل بها فيه” وقال ابن العماد: “وفي رمضان منها – أي الثالثة- دخل صلى الله عليه وسلم بحفصة، ودخل بزينب بنت جحش، وبزينب بنت خزيمة العامرية أم المساكين” ، والمشهور أن زواجه صلى الله عليه وسلم من زينبت بنت جحش رضي الله عنها كان لهلال ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وزواجه من حفصة رضي الله عنها كان في شعبان على رأس ثلاثين شهراً قبل أحد.
معرفتهنّ رضي الله عنهن بحاله صلى الله عليه وسلم وهذا أمر جليٌّ.
وبعد:
فإن من أوكد الواجبات بداية الرجل عموماً – الداعية خصوصاً- بتعليم أهله وقرابته، قال تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين)، وإذا كان إنفاق الرجل على أهله أفضل من الصدقة وأعظم منها أجراً، فإن تعليمه وحسن معاملته لهم أفضل وأعظم أحراً من تقديم ذلك لغيرهم – مع الأهمية في كل – فنحن بحاجة إلى إحياء شعار: “ابدأ بمن تعول” ، مع بعث منهج التوازن والوسطية النبوية التي تهمل جانباً على حساب جانب آخر.
_____________________________
الهوامش:
– ( البخاري 20)
– (الترمذي: 3895) وقال حسن غريب صحيح، وصححه الألباني في صحيح السنن (3056)
– مسلم (1147)
– ابن حبان (3473) وقال الأرناؤوط: “وإسناده قوي” والمشتهر أنّ أذان بلال الأول لا الثان، انظر مسلم: (1092).
– من صحيح ابن حبان: (8م253-252)
– البخاري (1952)
– أبو داود (2454) وصححه الألبناني في صحيح السنن (2143)
– النسائي (1364) وصححه الألباني في صحيح السنن: (1292).
– سورة التحريم: (6)
– مسلم (1109)
– البخاري (2024)
– فتح الباري لابن حجر :4/316
– سنن البيهقي: 4/314 والمسند: 40/439 قال محقق المسند: وإسناده حسن.
– مسلم (1106)
– مسلم (1106)
– انظر فتح الباري لا بن حجر: 4/324، المنتقى للباجي: 2/83
– ا لبخاري (2038)
– البخاري (2039)
– البخاري (2033)
– المسند للإمام أحمد (26307)، وقال محققوه: حديث صحيح لغيره.
– مسلم (1166)
– البخاري (2045)
-البخاري (2026)
– الترمذي (806) وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح السنن (646)
– انظر: تاريخ الطبري: 2/538
– تاريخ الطبري: 8/545
– انظر شذرات الذهب لابن العماد:1/118
– شذرات الذهب لابن العماد: 1/119
– انظر الطبقات لابن سعد: 8/114
– انظر الطبقات لابن سعد: 8/83
– البخاري (1466)
– البخاري (1426)
- 03/11/2019 تخريج (400) دارسا ودارسة بكراسي العلماء بالفاشر
- 03/11/2019 بدء حملة للتطعيم ضد الحمى الصفراء بامبدة غدا
- 03/11/2019 جهاز السودانين بالخارج يناقش قضايا إسكان المغتربين
- 03/11/2019 مدير جامعة السودان نلتزم بتوفير البيئة الملائمة للطلاب
- 03/11/2019 وزارة الاعلام: ملتزمون بضمان حرية الصحافة والإعلام
- 27/10/2019 شيخ إدريس يطلع على الأوضاع الأمنيةبالبحر الأحمر
- 27/10/2019 تحالف نهضة السودان يؤكد أهميّة توحيد الإرادة
- 27/10/2019 البرهان يختتم زيارته لروسيا واذربيجان
- 26/10/2019 الطويل: عودة النازحين دفعة قوية لمسيرة السلام
- 26/10/2019 وزارة الصحة: للدعم االسريع دوراً هاماً لمكافحة الاوبئة
