أعزائي الآباء والأمهات
لا يوجد ذنب في حياة الأبناء اسمه “المراهقة”، ولكنها مرحلة من مراحل النمو الطبيعي في حياتهم، وإن أحسنّا فهمها وإدارتها تحولت إلى أوقات سعيدة ممتعة بيننا وبينهم إن شاء الله تعالى.
وبداية ما المقصود بالمراهقة ؟
المراهقة مرحلة من مراحل عمر الإنسان تمتد من سن الثالثة عشرة حتى سن الثامنة عشرة، وقد تمتد إلى العشرين. وهي مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد، فهي ليستمستقلة بذاتها استقلالاً تاماً، وإنما تتأثر بما مر بالابن من خبرات في مرحلة الطفولة السابقة، ومن شأن المراحل الانتقالية الاضطراب وفقد التوازن واختلاط السمات والخصائص، وهذا ما نشاهده غالباً على سلوك الأبناء. (د.عبد الكريم بكاّر:معاً نحو طفولة سعيدة،ص:35)
أهم سمات مرحلة المراهقة والتي يجب أن يعرفها الوالدان:
إن تعرّف الوالدين على أهم سمات المرحلة التي يقبل عليها الأبناء أو يمرون بها من شأنه أن يتيح لهما مزيداً من الفهم والاستيعاب للأبناء ومزيداً من الصبر عليهم، وتلكم أهم سمات هذه المرحلة:
1-النمو السريع:
ينمو جسم المراهق بشكل سريع قبل سن البلوغ الجنسي بعام تقريباً، ويستمر على هذا النحو لمدة عامين تقريباً، وتبدأ الغدد التناسلية في إفراز الهرمونات الخاصة بها، فتظهر علامات النضج على جسد المراهق وصوته وأبعاد جسده ، وكذلك الفتاة تظهر على جسدها وصوتها مظاهر الأنوثة.
2-عدم التحكم في الانفعالات:
يمتاز المراهق من الناحية الانفعالية برهافة الإحساس، فهو يثور في كثير من الأحيان لأتفه الأسباب؛ فيجد المراهق نفسه ضعيف التحكم في المظاهر الخارجية لحالته الانفعالية، في حالتي الغضب والفرح، حيث تصدر منه تصرفات لا تدل على الاتزان الانفعالي مثل الصراخ وإلقاء الأشياء على الأرض إذا غضب، والرقص والقفز إذا فرح.
3-القدرات العقلية والفكرية العالية:
يمتاز المراهق بالقدرة العالية على الحفظ والتذكر السريع، وقد يميل إلى تفضيل التذكر على الفهم، ويبذل في حفظ المادة المفهومة مجهوداً أقل من الجهد الذي يبذله في حفظ المادة الغير مفهومة.
4- الإحساس بالمعاناة وعدم فهم الكبار له:
يشكو دائماً المراهق – فتىً أو فتاة- من أن والديه لا يفهمانه،وحقيقة الأمر أنه يعاني من عدة صراعات داخلية،: صراع بين الاستقلال عن الأسرة والاعتماد عليها، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة، وصراع بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره الواضح في التزاماته، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الاجتماعية، والصراع الديني بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير، وبين تفكيره الناقد الجديد ورؤيته الخاصة للحياة، وصراعه الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار الجيل السابق.
5– المكابرة والتمرد على قيم الأهل:
ويلجأ المراهق لذلك كوسيلة لتأكيد وإثبات تفرده وتمايزه ولذلك يحاول الانسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين، و معارضة سلطة الأهل؛ لأنه يعد أي سلطة فوقية أو أي توجيه إنما هو استخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي أصبحت موازية جوهرياً لقدرات الراشد، ونتيجة لذلك تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة .
وماذا لو تكلمنا عن الفتاة ؟
عندما تنتقل الفتاة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ والمراهقة فإنها تنتقل إلى عالم جديد تماما عليها، يصاحبه ثورة عارمة في جسدها و نفسها و لعل هذه التغيرات تكون أهم منعطف في حياتها كلها. و تكون الفتاة الصغيرة خلال هذا الانتقال شديدة الحاجة لأم تقف بجوارها تمدها بالحنان و الحب و تزودها بالمعلومة و الفهم الصحيح و الحوار الهادئ.
و إن لم تجد الفتاة هذا العون فربما تنزلق لمشاكل نفسية خطيرة في فترة حساسة من حياتها.
وكلما كانت الفتاة تتمتع بصحة جيدة، وجو أسري دافيء وصحبة صالحة، فإنها تكون مهيئة بصورة أفضل لخوض هذه المرحلة بأمان، ولكن لا يعني ذلك انعدام المتاعب، فالتغيرات الطارئة على جسدها واكتشافها الحياة الجنسية واكتسابها رؤى جديدة حول العالم، كل هذه المسائل لا يمكن أن تمر بها من دون التعرض لأي اضطرابات.
أكثر متاعب الفتاة المراهقة:
وأبرز ما يبدو على الفتاة هو رفضها أن تعامل من والديها كطفلة، وحاجتها للشعور بالاستقلال الذاتي وهذه هي الأسباب الجوهرية للخلافات التي تحدث بين المراهقة وأسرتها، مثل الخلاف حول اختيار الصديقات، أو المطالبة بمساحة أكبر من حرية الخروج مع الصديقات وزيارتهن، فضلا عن مشاكل المدرسة وطريقة اختيار الملابس، وطريقة إنفاق النقود، وغيرها.
كما تدل الدراسات أيضا أن أبرز ثلاث مشاكل تعاني منها الفتيات في نطاق الأسرة وذلك بناء على نتائج قياس حاجات التوجيه النفسي، ومرتبة حسب درجة معاناة الفتيات منها هي :
1-الخوف من مناقشة مشكلاتهن مع أولياء أمورهن.
2. الخوف من معرفة آبائهن لما يقمن به من أخطاء ورعونات.
3. وجود فجوة بين ما تفكر به الفتيات وما يعتقده الآباء صحيح من وجهة نظرهم.
عزيزتي الأم..
بالنسبة الفتاة يكون للأم دور كبير في احتواء ابنتها المراهقة ووقايتها من الضغوط من خلال تلبية حاجتها الشديدة للاستماع والتعاطف، فهي بحاجة لشخص قريب من نفسها تحدثه بما فيها , تبث له شكواها, تحدثه عن أحزانها وهمومها … وفي إطار تفاهم تام ووعي وإدراك، تترك الأم لفتاتها مساحة خاصة بها، وعليها أن تشعرها بأنها تثق بها، حتى لا تنحرف الفتاة إلى هاويات مجتمعية سحيقة، كأن تصادق رفقاء السوء، وتمارس عادات وسلوكيات شاذة كالتدخين؛ إن الأم إذا منحت ثقتها بفتاتها وشعرت الفتاة بذلك، سترى ابنتها تتوجه نحوها عند أصغر مشكلة تواجهها، وتسرد لها همومها وطموحاتها وآلامها.
وأهم ما تحتاجه الفتاة في هذه المرحلة:
- الإشباع النفسي والعاطفي:
إذا كانت الأسرة هي الوحدة الاجتماعية الأولى التي ينشأ فيها الطفل وهي المسئولة عن صحته الجسمية والنفسية، فإنّ الإشباع النفسي والعاطفي هو أهم ما تقدمه الأسرة للفتاة، فحياة الأبناء في جو عائلي يسوده العطف والحنان والطمأنينة، والاحترام المتبادل، تمكنهم من النمو الصحيح الذي يتميز بالقدرة على التكيف مع نفسه ومع المجتمع الذي يعيش فيه. (د.محمد السقا عيد:ابنك وصحته النفسية،ص:26 بتصرف)
- تحقيق القدوة:
فالأسرة القدوة حصن للمراهق والمراهقة يدفع عنه التيارات الهدامة التي تكتنف أبنائنا من كل جانب، وكلما كانت الأسرة منضبطة بالمنهج الإسلامي، متمتعة بالسيرة الحسنة؛فإن ذلك يدفع الأبناء تلقائياً للاقتداء بها.
- زرع بذور الإيمان والتدين:
فهو صمام الأمان من الانزلاق في متاهات سوء التفكير أو الانحراف الخلقي، فيستمر الوالدان بلا كلل أو ملل بتعويد أبنائهم على الارتباط بدينهم ومرافقتهم أثناء أداء الشعائر والعبادات التي تزيد صلتهم بالله تعالى.
- التربية المتوازنة:
- :التي تكون فيها الفتاة محل قبول واحتفاء من أسرتها، انطلاقاً من احتفاء الإسلام بها وتكريم الله تعالى لها،فقد أخرج الحاكم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت
- :” ما رأيت أحدا كان أشبه كلاما وحديثا من فاطمةبرسول الله صلى
- الله عليه وسلم وكانت إذا دخلت عليه رحّب بها وقام إليها فأخذ بيدها
- فقبّلها وأجلسها فيمجلسه“.– صحيح على شرط الشيخين–ويكون هذا هو الأصل
- في معاملة الفتاة، مع تلقيها التربية التي تجمع بين اللين والشدة كلٌ
- في موضعه المناسب وبالقدر المطلوب، دون تفريط أو إفراط
- الصبر والرفق في المعاملة:
- لابد من التحلي بالصبر في التعامل مع التغييرات المتلاحقة التي تمر بها الفتاة، و على الأم أن تتحمل مسئوليتها في العبور بابنتها إلى بر الأمان في هذه المرحلة الحساسة بالحوار الهادئ الذي يصاحبه زرع للثقة في نفس الفتاة.
- الاحترام والتقدير:
- تبين الأم لابنتها من خلال المعاملة الحسنة الراقية أنها أصبحت الآن فتاة ناضجة لها شخصيتها و احترامها و أصبح لها حياؤها الذي يزينها و يزيدها جاذبية وجمالا.مع الابتعاد تماما عن العتاب و التوجيه المباشر و أن تتجنب التعبيرات اللاذعة أو الساخرة مثل (أنت لا تفقهين شيئا) و (أنت مذنبة في كذا وكذا.. !) بل تبدأ الحوار في كل مرة بأن تشعر أبنتها بأن لها رأيا ووجودا وأنها أصبحت ناضجة وقادرة على اتخاذ القرار الصحيح.
التوعية بتغيرات المرحلة:
فالأم هي المصدر الموثوق والصحيح الذي يمد الفتاة بالمعلومات التي تحتاجها عن طبيعة المرحلة التي تمر بها، وما قد يعتريها من تغيرات كالحيض وغيره، وما ما هو المدلول الشرعي لهذه التغيرات، وكذلك ما يجب عليها من شرعاً تجاه ذلك كأدب التطهر من الحيض وتعهد سنن الفطرة، وغيرها.
وعلى الأم أن تفتح قلبها وعقلها لأسئلة ابنتها حول هذه التغيرات فهي بالنسبة لها تجربة شديدة الحساسية بعيدة الأثر في نفسها، على أن تغلف كل هذا بالمعاني والألفاظ الراقية.
اعتماد أسلوب الحوار:
- على الأم أن تحذر من انزلاق الحوار المطلوب إلى جدال و خلاف فإن هذا يصيب العلاقة مع ابنتها بالفتور و الضيق، ويجب أن تبدي مرونة تجعلها تلتقي مع ابنتها في منتصف الطريق عند حدوث خلاف في الرأي لأن العصبية و التوتر الذي يصاحب فترة البلوغ يحتاج إلى سعة صدر من الأم لاحتواء ابنتها.
وأخيراً..عزيزتي الأم..
لا يوجد شبح اسمه “المراهقة” فقط علينا نؤهل أنفسنا جيداً للتعامل مع مراحل النمو التي يمر بها أبنائنا وبناتنا..بالاستعانة بالله تعالى، وكثرة الدعاء لأبنائنا وبناتنا، وبالعلم والوعي وسؤال المختصين..وبكل ما وصلت إليه أيدينا من أسباب التربية الصالحة لأبنائنا وبناتنا
فاقتربي من زهرتك أكثر وأكثر..وكوني أمها الحنون ومرجعها الأول وصديقتها الودودة.