السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وجزاكم الله خيرًا على هذا الصرح المبارك.
أنا مسلمة من إماء الله، وقريبًا سيكون ما مضى من عمري عقدين من الزمن، وطالبة جامعية في كلية الصيدلة، والسؤال هو -بارك الله فيكم-: ما هدفي في الحياة؟ هذا أهم سؤال وأشدّه عليّ؛ حيث أنَّني لا أجد له في جعبتي جوابًا فيلفني الحزن والهمّ، وأشعر أنّ حياتي لا فائدة فيها، ويسوء حالي جدًا، ولا أجتهد في الطاعات، وأيامي تشبه بعضها بعضًا، وأنام لأستيقظ، وأستيقظ لأنام، وآكل وأشرب وأذهب وأجيء هكذا كالأنعام… حياة لا معنى لها!.
هذه قضية مهمة جدًا، فأرعوني سمعكم: كيف أحدد هدفًا في الحياة؟ وأريد شيئًا أحيا لأجله، وأندفع بحماس، وأستيقظ بهمة عالية لأسعى سعيًا حثيثًا حتى أصل.
هل جعل الله لكل إنسان هدفًا ورسالة في حياته؟ أعلم أنّ الله خلقنا لعبادته، ومفهوم العبادة واسع جدًا، وهذه الدنيا كيف أحياها بلا هدف؟ أريد أن أحيا لا أن أعيش.
لم أختر تخصص الصيدلة عن رغبة، ولم يكن لدي رغبة في شيء، وأحمد الله على اختياره لي وعلّه خير، لكنّني أودّ لو أخترع وأكتشف علاجًا ودواءً، وأن أستغل التخصص هذا في تقديم شيء ينفع البشرية، لكن أشعر بالتفاهة، وأنّني لن أفعل شيئًا بهذه الروعة!.
أحيانًا أقول: ربما أن أكون زوجةً صالحة، هدف جيّد، فأسعى للاعتناء بنفسي وتطويرها قلبًا وقالبًا، لكن سرعان ما يتلاشى ذلك وأشعر أنّه هدف دنيء! دنيوي جدًا، وربما كما يقول لي عقلي أو شيطاني!.
المهم أنَّه يتلاشى وأعود للضياع والشعور بلا هدف ولا حياة!.
أعتذر عن الإطالة، ولعلي أوصلت ما أنا فيه لكم.
أرجو وبشدة أن أجد عندكم ضالتي، وأن يهديني الله بكم بفضله ورحمته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وشكرًا على تكرّمكم بطلب الاستشارة من موقعكم وثقتكم بنا، آملين في تواصلكم الدائم مع الموقع، وبعد:
قد أسعدنا هذا السؤال الذي يدل على تميّز كبير؛ لأنّه بداية للتصحيح، وأفرحنا أنّك لا تريدين أن تعيشي فقط؛ لأنَّ المعيشة يشاركنا فيها الحيوان وكل بني الإنسان، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإنَّ له معيشة ضنكًا}، ولكنَّ المطلوب هو: أن نحيا، بل تمتد بنا الحياة إلى دار الحيوان، قال ربّنا في كتابه عن أهل الإيمان والعمل الصالح والأهداف المشروعة والغايات العظيمة: {فلنحيينه حياة طيبة}.
قال ابن القيم: حياة طيبة في الدنيا، وفي البرزخ، وفي الآخرة، نسال الله لنا ولكم من فضله، ورسولنا يعلّمنا الطموح العاللي، ويوجهنا بقوله: ((إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس الأعلى من الجنة))، وهتاف الأخيار في كتاب ربّنا: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا}.
وكان بعض زملائنا في الجامعة من الظرفاء، ونحن حينها عزاب كان يدعو ويقول: "ربّنا هب لنا أزواجنا، وهب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، نسأل الله أن يضع في طريقك من يسعدك ويعينك على الخيرات والطاعات والإنجازات.
لا يخفى على أمثالك أنّ الذي ليس له هدف لا يصل، وكيف يصل وهو لا يدري!؟ ونحن كمسلمين نحمد الله أولاً على هذا الدين الذي حدّد لنا الغايات الكبرى، فنحن خُلقنا للعبادة، بل إنّ ربّنا العظيم ينبه الغافلين بقوله: {أيحسب الإنسان أن يُترك سدى}، وبقوله: {أفحسبتم أنّما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون}.
وأنت مسلمة خلقك الله لمهمة عظيمة، فلا تقبلي بغير التميز في عبادتك وفي حياتك وفي خدماتك لأهلك وأمّتك وللبشرية، وثقي بأنَّ الحياة أمل، والأمل يتحقق بعد توفيق الله بالعمل، ومن هنا فنحن ندعوك إلى رسم خطة تحقّق لك الارتفاع في التدين، وفي حفظ القرآن، وخطّة تحقّق لك التفوق في مجالك وهو مجال خصب، والصيدلة علم إسلامي، ولكنّنا نمنا واستيقظ غيرنا، وخطّة كبيرة تتهيئي بها للأمومة الناجحة.
كل هذه الأهداف يمكن أن تتحقق بالاستعانة بالله والثقة في تأييده، ثم بتنظيم الأوقات، وصحبة الصالحات الجادات الحريصات، وتجنبي وساوس الشيطان، وابتعدي عن تخذيل المخذلين، واعلمي أنّ من سار على الدرب وصل، ونقترح عليك وضع جدول وإرساله إلينا، واجعلي فيه حظًا لنفسك، وحقًا لأهلك بعد الحقوق الواجبة لربك، بل اجعلي كل ذلك في الله، ولله، وبالله، وعلى مراد الله.
واعلمي أنّ فقيه الصحابة معاذ كان يقول: والله إنّي لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي، ولا عجب؛ فربنا يقول في كتابه: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين لا شريك له}، واجعلي البداية بالنية الصالحة، وأن تصدقي الله يصدقك، نسأل الله أن يبلغك المقاصد فيما يُرضيه.
وتذكرى أنّ الأمر لله، والتوفيق بيد الله، وهو مولانا، فنعم المولى ونعم النصير، فاطلبى ممن بيده ملكوت كل شيء.
وفقك الله وسدد خطاك، وحفظك، وتولانا وإياك.