السؤال
أمي توفيت -رحمها الله-، وكنت أحبها أكثر من نفسي؛ فأمي كانت روحي، وليس لي أصدقاء، ولا أتكلم مع إخواني أو أخواتي، حتى علاقتي بوالدي عادية، وأحب أمي فقط، فهي معي في كل لحظة أتكلم معها وأشكو لها، وتنام معي.
عمري 21 عامًا، وأنا أصغر من في البيت، وأحبها حبًا يفوق الخيال. مرضت وكنت معها، لكن توفاها الله.
أحيانًا كنت أرفع صوتي عليها، ولا أعاملها جيدًا، وأحس أني قصرت معها، وأتذكر كل موقف لم أعاملها جيدًا، مع أني عندما أفعل هذا قلبي يتقطع من الألم؛ لأني أحبها.
أنا حاليًا أتألم، ولم أستطع أن أصدق أني لن أراها مرة ثانية، وأتألم على هذه اللحظات وتقصيري في حقها، لدرجة أني فقدت رغبتي في الحياة، وقلبي يؤلمني أني قصرت تجاهها، وأنها لن تعفو عني، ولن تسامحني.
ماذا أفعل حتى أرضيها وتعفو عني، وعن تقصيري في حقها ومعاملتي لها؟ وكيف أستطيع التعامل مع فقدها؟ كل حياتي وأحلامي خططت لها وهي معي، حتى عندما يقولون لي ستتزوجين، كنت أقول سآخذ أمي معي.
ماذا أفعل؟ أمي ماتت منذ 45 يومًا، وأنا متألمة وفاقدة لرغبتي في الحياة، إنها ليست معي، وكنت لا أعاملها جيدًا، ماذا أفعل؟ فكرت في الانتحار، وأستغفر الله من ذلك، لكن ماذا أفعل؟ ساعدوني
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، شكراً على تكرّمكم بطلب الاستشارة من موقعكم وثقتكم بنا، آملين في تواصلكم الدائم مع الموقع، وبعد:
أختنا الكريمة، نستشعر دفء حديثك وكلماتك، ونتفهم أثر فقدك لأمك، وهذا يدل على خير فيك، نسأل الله أن تكوني أفضل مما نظن، وأن يرحم الوالدة، وأن يكتب أجرها، وأن يرفع درجتها، وأن يجعلها في عليين.
لا شك أن للموت صدمة، ومن السنة أن نتذكر مصابنا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وعلينا أن نلتزم بتوجيهاته، ومنها: توجيهه للمرأة التي كانت تبكي عند قبر، حيث قال لها النبي: "اتقي الله واصبري" ومن السنة أن نقول: لله ما أخذ وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى. ثم علينا أن نصبر ونحتسب.
أختنا الكريمة، للشيطان وسائل وأساليب يدخل بها على الإنسان؛ يريد أن يحزنه، وقد دخل عليك من هذا الباب ليضخم لك بعض الهفوات التي تحدث في كل بيت، والتي يتسع لها صدر أي أم، وينسيك كذلك المواقف الأخرى التي كنت فيها بين يدي والدتك برًا وحنانًا وحبًا، يفعل ذلك حتى يضيق عليك نفسك، وتصلي إلى التفكير فيما فكرت فيه مما لا تصلح بها دنيا ولا آخرة.
أختنا وابنتنا الكريمة، أشغلي نفسك بالذكر والاستغفار، والدعاء، وتلاوة القرآن؛ فإنك إذا لم تشغلي نفسك بالخير شغلك الشيطان بغيره، فاحرصي على ما ينفعك وينفع الوالدة، وتواصلي مع موقعك ومع الصالحات من الصديقات والجارات، فأنت ضعيفة وحدك، لكنك قوية بعد الله بأخواتك.
أختنا، شعورك هذا دليل خير فيك، فقد علمتنا التجارب أنه ما من أحد بار يموت أحد والديه إلا ويجد بعض ما تحدثت عنه، ولعل في هذا سلوى لك.
أختنا، أنت زرع أمك، والمستقبل حصاد ما زرعت هي فيك من دين وأخلاق، وكلما مر عليك يوم طاعة وعبادة ودعاء؛ ارتقت أمك بذلك، وهي أحوج ما تكون اليوم إلى طاعتك، فهل تريدين حرمانها من ذلك؟
أختنا، إن برك لوالدتك لا ينقطع بموتها، بل إنك تستطيعين أن تقدمي لها ولنفسك الكثير، فأعلني رضاك بقضاء الله وقدره، واجتهدي لها في الاستغفار والدعاء، ونسأل الله أن يرحمها، وأن يرحم أمواتنا وأمواتكم وأموات المسلمين، وأن يرحمنا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه.
نحن نهنئك على حبك لوالدتك وبرك بها، ونطمئنك بأن الوالدة لا تغضب من أمثالك، وإن مواقف البر الكثير حسنات، والحسنات يذهبن السيئات، كما أن إمكانية التصحيح موجودة، فالأبناء والبنات امتداد لأعمال الوالدين، فاجتهدي في الطاعات، واجعلي لوالدتك حظًا ونصيبًا من كل خير.
بر الإنسان لوالديه بعد موتهما موصول، وهذه بعض صوره:
1- الدعاء لهما والاستغفار.
2- إكرام صديقهما.
3- صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما.
4- إنفاذ عهدهما.
5- الصدقة والعمرة والحج عنهما ولهما، ونذكرك بأن الإحسان للوالد لون من البر له وللوالدة.
وأرجو أن لا تتوقفي طويلاً أمام وساوس الشيطان، واعلمي أن هم هذا العدو هو أن يحزن أهل الإيمان، وليس بضارهم شيئًا، وإذا ذكرك الشيطان بالمواقف السالبة؛ فاجتهدي في التوبة، ثم استغفري لنفسك وللوالدة، وتعوذي بالله من مجرد التفكير في الانتحار؛ لأن في الانتحار خسارة الدنيا والآخرة، ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد.