السؤال
أود أولاً أن أشكركم على ما تقدمونه من خدمة للمجتمع للرقي به إلى الأفضل، وسؤالي هو: ابنتي عمرها أربع سنوات ونصف، وتذهب صباحاً إلى دار للتعلم وحفظ القرآن، وفي يوم وهي ذاهبة إلى المدرسة أرادت أن تأخذ بالونات أختها الصغيرة لتهديها إلى أصدقائها في الدار، فرفضت ذلك بهدوء؛ لأنها ملك لأختها، وقلت لها لا يمكن أن تأخذي شيئاً ليس ملكاً لك، ولكن سأشتري لك بالونات أخرى لاحقاً، وحاولت إقناعها، إلا أنها رفضت، ودخلت في نوبة من البكاء الشديد، والصراخ، فخشيت أن تستيقظ أختها الصغيرة، فحملتها على يدي ونزلت بها إلى الشارع وهي تصرخ بشدة، وأبت أن تركب السيارة، فما كان مني إلا أن أمسكت بعصا قوية، وغيرت لهجتي إلى العنف، وجعلت أضرب العصا بالأرض فتحدث صوتاً قوياً، وأقول لها مهدداً (ياه العصاية دي قوية شكلها بتوجع قوي ، ها هتركبي ولا لأ) وطبعاً لم أكن أنوي مطلقاً ضربها، ولكن فقط التهديد، وإظهار الغضب من فعلها، عملاً بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (علق السوط حيث يراه الأهل فإنه أدب لهم) ففهمت من الحديث أن أستعمل التهديد فقط دون الضرب، فلما رأت ابنتي العصا جعلت تقول (لالالا مش عايزة العصاية دي) فقلت لها اركبي السيارة، وأنا سأحضر بالونات أخرى لك تهديها لأصحابك، هنا بدأت تهدأ، وركبت السيارة، وكفت عن البكاء، وفي الطريق الى الدار اشتريت لها بالونات، وبدأت أتحاور معها بهدوء في أمور أخرى كي أنسيها هذا الموقف، وبالفعل في دقائق معدودة نسيت كل شيء، سؤالي هو: أنا لا أستعمل الضرب إطلاقا معها، ولكن هل التلويح به في أضيق الحدود كما في هذا الموقف يكون مجدياً وتربوياً؟ وهل اقتراحي لها بحل بديل عن الذي تريده هي في حال العناد الشديد يُعتبر حلاً تربوياً أيضا؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
السلام عليكم ورحمة الله، وبعد:
فإننا بدايةً نشكر لك الاهتمام والسؤال، ونعبر لك عن سعادتنا بتواصلك مع موقعك، ونسأل الله أن يلهمك السداد والرشاد، وأن يصلح لنا ولكم النية والذرية.
وأرجو أن تُبعِد العصا عن هذه الطفلة بالكلية؛ لكونها أنثى، ولكونها صغيرة، فقد سُئل الإمام أحمد: أيضرب الصبيان؟ فقال رحمه الله: "على قدر ذنوبهم إذا بلغوا عشراً". ومن هنا فإنه لا يجوز ضرب من هم أقل من عشر سنوات، وحتى بعد العشر سنوات فإن الضرب لا يكون إلا وفق تدرج ومراحل، وبعد التأكد من صلاح هذه الوسيلة مع الطفلة وبضوابط:
1. أن يكون الضرب بما لا يكسر عظماً ولا يخدش جلداً .
2. أن يكون بعيداً عن أقرانها.
3. ألا يصحبه توبيخ.
4. أن لا يتخذ عادة.
5. أن يتوقف المربي عن الضرب إذا بكى الطفل أو هرب أو ندم أو سألنا بالله.
ومن هنا يتضح لنا أن الإسلام لا يمنع الضرب، ولكنه يقنن الضرب، ويجعله آخر دواء، وقد أحسنت في محاولات التخفيف عليها وتلبية طلباتها، ونتمنى عدم تكرار ما حصل، مع ضرورة تفهم طبيعة هذه المرحلة العمرية التي لا تخلو من الغيرة، ونحن ننصحك بالاتفاق مع والدتها على خطة موحدة، مع ضرورة تخصيص وقت لمشاركتها اللعب، وإشباعها من العاطفة والاهتمام، وعدم الانزعاج من إصرارها على أخذ الأشياء الخاصة بأختها؛ لأنها في مرحلة حب التملك والدوران حول نفسها، وغداً سوف تصبح كريمة مع أختها، وشفوقة عليها، وقد ينفع معها الإهمال في حال إصرارها مع شيء من الحزم، ولا يضرها البكاء وإن كَثُر، ولكن سوف تتضرر من الاستجابة الدائمة لدموعها.
وهذه وصيتنا لك بتقوى الله، ثم بكثرة اللجوء إليه، ونسأل الله لك التوفيق والسداد.